خطوة الجولاني الجريئة.. هل تلهم فروع القاعدة؟ - خليج نيوز

أخبارك 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

هل حان وقت الانشقاق عن القاعدة؟.. ديري والعنابي في مفترق طرق بعد تجربة الشرع

لسنوات طويلة، تابعت “أخبار الآن” مسيرة أبي محمد الجولانيأحمد الشرع“، مؤسس هيئة تحرير الشام، جبهة النصرة سابقا، ويعلم الجولاني جيداً أن أخبار الآن كانت تنتقد أيديولوجيته وأفعاله منذ ظهوره خلال الحرب السورية..

ومع تركيز “أخبار الآن” على معارضة تسيس الدين وأعمال العنف باسم الإسلام فقد كشفنا باستمرار كيف دمر المتطرفون العنيفون وإخوانهم الأمل وضلوا الشباب في جميع أنحاء العالم الإسلامي، وفي الوقت نفسه، كنا أول من سلط الضوء على الخطوة الجريئة الذي خطاها مؤسس النصرة في الاتجاه الصحيح؛ ألا وهي التخلص من الارتباط بتنظيم القاعدة.

وتابعت “أخبار الآن” السجالات الفكرية والسياسية طوال تلك الفترة، واكتظت أرشيفاتها بالقصص الحصرية المعمقة التي كشفت كيف لم يعارض الرجل القاعدة فحسب، بل دمر أيضًا فرعها السوري، حراس الدين، بحزم وإصرار، وخاض مواجهات دامية ضد داعش، وكيف وسعت النصرة، ولاحقا هيئة تحرير الشام، سيطرتها في الشمال السوري، وتورطت في نزاعات عنيفة مع الأطراف الأخرى.

خطوة الجولاني الجريئة.. هل تلهم فروع القاعدة؟

تجربة أحمد الشرع (الجولاني سابقًا)

شهدت مسيرة أحمد الشرع تحولات دراماتيكية، تكشف عن شخصية تستطيع التكيف مع المتغيرات وقراءة المشهد من حولها، فبعد صولات وجولات في الحركات والتنظيمات الجهادية تحت اسم “أبو محمد الجولاني”، إذا بالرجل فجأة يظهر باسمه الحقيقي، أحمد الشرع، ويرتدي رابطات العنق ويخلع ثوبه الحركي القديم.

لكن هذا التغير المظهري أثار تساؤلات عن مدى عمق التغيير الفكري الذي حدث، أو بعبارة أخرى؛ هل هذه التغيرات تكتيكية أو استراتيجية؟.

من الواضح أن الرجل ليس من النوع الذي يتخلى عن أفكاره وأهدافه بسهولة، لكن من المؤكد أيضًا أنه يتعلم بسرعة من تجاربه العملية ويطور افكاره، كما ألمح لذلك في اللقاء الذي أجراه مع شبكة “سي إن إن” الأمريكية خلال معركة ردع العدوان، حين قال إن الشخصية في العشرينات تختلف عن الثلاثينيات أو الأربعينيات، وذلك ردًا على سؤال عن انتماءاته السابقة.

صحيح أن الممارسة العملية حتى الآن تبدو إجمالا مُرضية للمتابعين بشكل يفوق أحسن السيناريوهات التي كان البعض يتوقعها، سواء عبر التصريحات المطمئنة أو العفو العام، أو توسيع هامش الحريات بشكل كبير، ليس فقط بالمقارنة مع النظام السابق، بل أيضا بنموذج حكمه في لكن يبقى السؤال عن مدى عمق هذا التغيير، وهل هو مرحلي أم دائم؟.

فالتسامح مع المعارضين والأقليات وإعطاء مساحة أكبر للمرأة، وتوسيع مساحة الحريات الشخصية، كلها أمور ترسل رسائل طمأنة عملية للداخل والخارج، لكن الترقب لا يزال سيد الموقف، خاصة في ظل وجود المقاتلين الأجانب ومحاولة إدماجهم في الجيش الوليد، وكذلك الأشخاص الذين تلاحقهم اتهامات حقوقية.

شرعي هيئة تحرير الشام السابق عبد الرزاق المهدي يكشف كواليس علاقته مع أحمد الشرع “الجولاني” في إدلب

وفي حال استطاع الشرع التغلب على أزمة الثقة هذه، حينها يمكن أن يتم قبول النظام الجديد في العالم الإسلامي، وفي العالم الغربي أيضا، ولعل السلوك الأمريكي والأوروبي يعكس حالة عدم الثقة العميقة؛ إذ تم الإبقاء على العقوبات التي فرضت على سوريا في عهد بشار الأسد رغم زوال مبرراتها الأصلية بهدف الاحتفاظ بأوراق ضغط لإجبار النظام الجديد على الإيفاء بالمعايير المطلوبة منه.

الإنجاز في مقابل الإخفاقات

يستمد النموذج السوري جاذبيته من شرعية الإنجاز؛ فتحرره من عبء الارتباط بالتنظيم الدولي ساهم في تخففه من أثقال كانت تعوق عملية تعويمه وتمكينه، فكونه حقق التمكين يمنحه جاذبية في عيون الجماعات المسلحة في أنحاء العالم، فهذه التجربة بالمعنى الضيق تمثل استثناءً بارزًا بين إخفاقات الجماعات التابعة للقاعدة.

فتاريخ فروع القاعدة في المجمل يخيم عليها الفشل الذريع، ففي أفغانستان تسببت هجمات التنظيم في جلب الاحتلال الأمريكي وإسقاط نظام طالبان الذي كان يؤوي القاعدة.

وفي العراق كان مآل فرعه أن أنتج كارثة تسمى “داعش” كانت وبالا على كل مكان حلت به، وانتهى أمر فرع القاعدة في جزيرة العرب إلى أن أصبحت خنجرا لطعن الدول والقبائل العربية بدعم إيراني.

ووصل أمر القيادة المركزية للتنظيم الدولي إلى أن أصبحت قمرة قيادته في طهران بما يعنيه ذلك من نفوذ للحرس الثوري الإيراني على قياداته، وبالتالي فلم يعد لدى التنظيم استقلالية في قراره في ظل بقاء سيف العدل الزعيم الفعلي للقاعدة، تحت حكم النظام الإيراني.

استلهام التجربة

لابد وأنه في ظل الفشل المتراكم للقاعدة ونجاح تجربة من تركوها، فإن قادة آخرين، كأحمد ديري زعيم جماعة الشباب، الفرع الصومالي للقاعدة، ويوسف العنابي؛ زعيم فرع القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، يراقبون مسار الجولاني باهتمام كبير، وربما يراودهم شعور قوي بخوض هذه التجربة بعدما أنجزته في سوريا.

خطوة الجولاني الجريئة.. هل تلهم فروع القاعدة؟

وهناك عامل شديد الأهمية بالنسبة للتوقيت، فبينما اتخذت جبهة النصرة قرار فك الارتباط في وقت كان هناك زعيم للقاعدة يحظى ببيعة لها احترامها لدى أتباعه، وما يعنيه ذلك من عوائق أمام قرار الانشقاق، فإن التوقيت الحالي يبدو مثاليا بشكل مدهش لاتخاذ مثل هذا القرار؛ فمع وجود القيادة العامة للتنظيم في أيدي أجهزة الأمن الإيرانية، وعدم وجود زعيم رسمي للمنظمة ولا توجد بيعة ولا ما شابه، تبدو الظروف مواتية بشدة لتحرر الأفرع من التنظيم بعد أن أثبتت التجارب أن وجوده والعلاقة معه هي منبع الأزمة.

وبعد مشاهدة خطاب الجولاني “الرئاسي”، يمكننا توقع أن ديري والعنابي يحلمان باليوم الذي سيجدان نفسيهما فيه في موقف مماثل، ولابد أيضا أن تألق زميلهما السوري في هذه الليلة لم يكن بسبب أناقة مظهره، بل بسبب خلعه لعباءة التنظيم الجهادي الدولي، وأن الخطوة الأولى لتأهيلهما هي قطع الروابط مع القاعدة الأم ومضيفيها في طهران، حينها فقط قد يفكر العالم في أخذ الأمر على محمل الجد، وهناك شواهد على احتمال وقوع مثل هذا السيناريو.

وبحسب الباحث النيجري في الشؤون الأفريقية، السنوسي حامد، فإن أغلب مجموعات العنف والتطرف في أفريقيا مثلا تفتقر إلى الرؤية الاستراتيجية التي تتيح لها الاستفادة من التجارب الأخرى وإجراء مراجعات منهجية شاملة، لكن هناك استثناءات من تلك الحالة مثل جماعة الشباب الصومالية، وجماعة ماسينا، وكلاهما يتبع تنظيم القاعدة.

ويضيف  الباحث النيجري في تصريحاته لـ”أخبار الآن” أن جماعة الشباب الصومالية تتحرك برؤية واستراتيجية ولا تمارس العنف بشكل عشوائي، وكذلك جبهة تحرير ماسينا في الأساس جماعة لها طابع قومي وبالتالي فهاتان الجماعتان من المحتمل أن تجريان مراجعات منهجية للتخلي عن الارتباط بالقاعدة والاستفادة من نموذج جماعة النصرة السورية، لافتا إلى أن كلا الجماعتين لها أجندات محلية بخلاف تنظيمات متطرفة أخرى تعتمد على العناصر الأجنبية القادمة من الخارج.

خطوة الجولاني الجريئة.. هل تلهم فروع القاعدة؟

هل يأتي الهدف التالي من أفريقيا؟

بالنسبة لديري وعنابي، فإن الظرف الحالي بقدر ما يحمله من فرص فإنه يحمل أيضا تهديدا لهما إذا لم يستطيعا مواكبة الواقع، فإذا لم يتخلوا عن القاعدة الآن، فقد يغتنم الفرصة منافسوهما الداخليون أو حتى نوابهما؛ فاليوم يبدو الحضور العام لمهاد كاراتي أكثر من قائده أحمد ديري، وكذلك يبدو أن إياد غالي وأمادو كوفا يتمتعان بحضور كاريزمي أكثر من العنابي.

وسواء كان هذا التفكير مستوحى من نجاح تجربة طالبان كحركة محلية استطاعت الوصول للحكم أو تجربة النصرة، فإن أصداء ما وقع في آسيا تتردد في القرن الأفريقي ومنطقة الساحل. وسنراقب من سيكون التالي في الانفصال عن أجندة القاعدة العنيفة لتدمير العالم؟ ومن سيقبل بالتصفية الصامتة كجزء من جهاد طروادة.

وقد سبق أن تناولت “أخبار الآن” بإسهاب “جهاد طروادة” ومعضلة اختطاف النظام الإيراني لتنظيم القاعدة واستخدامه في اختراق المجتمعات العربية وغزو الدول السنية بشكل ماكر، ويبدو أن الدور على الفروع الأفريقية للقاعدة لتحرر من هذا المخطط.

خطوة الجولاني الجريئة.. هل تلهم فروع القاعدة؟

هل تتحضر ماسينا للانشقاق؟

في منطقة الساحل والصحراء تبدو جماعة نصرة الإسلام والمسلمين وكأنها تسير على خطى جبهة نصرة أهل الشام؛ ففي الحوار غير المباشر الذي أجراه وسيم نصر، الصحفي بشبكة فرانس 24، مع أمادو كوفا، مؤسس وأمير كتيبة ماسينا، وهي فرع من جماعة النصرة التابعة لتنظيم القاعدة في منطقة الساحل، ظهرت إشارات يحتمل أن تكون بوادر وتحضيرات لانشقاقها عن التنظيم الأم.

نشرت الجماعة الإجابات صوتيًا على الإنترنت، وكانت هذه أول مقابلة لكوفا على الإطلاق مع أي وسيلة إخبارية، وهو يعد الرجل الثاني في جماعة نصرة الإسلام والمسلمين، ويُنظر له كأحد أهم المستشارين الشرعيين لأمير الجماعة، إياد أغ غالي.

وبحسب كلام وسيم نصر، فربما كان الأكثر إثارة في هذا الحوار، ليست الأسئلة التي أجاب عليها، بل ما تجنب عمدًا الإجابة عليها، خاصة السؤال المتعلق بتنظيم القاعدة المركزي، فقد رفض مجرد ذكر اسم القاعدة، مما عزز احتمال أن تكون الجماعة تجهز للانفصال.

وهناك شواهد قوية لذلك؛ فمنذ أواخر شهر ديسمبر، توقفت الجماعة عن الإشارة إلى فرع القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، كما توقفت عن توجيه أتباعها إلى وسيلة الإعلام التابعة للتنظيم.

كما أصدر فرع القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي في 20 يناير 2025 بيانًا، لم يأت لأول مرة في شكل بيان مشترك مع جماعة نصرة الإسلام والمسلمين .

ولاحظ وسيم أن إصدار الإجابات الصوتية لكوفا، لم يبدأ كالمعتاد بشعارات القاعدة وصوت أسامة بن لادن، بل اكتفى بشعار “الزلاقة”، الوسيلة الإعلامية لنصرة الإسلام والمسلمين، ونشيد ليس من أناشيد القاعدة.

والحقيقة أن الجماعة تقدم نفسها كلاعب سياسي يمتلك بعض البراجماتية في تعاملها مع الأطراف والمجتمعات المحلية وأصحاب النفوذ، وهو ما يجعلها قادرة على تقديم التنازلات، وقد سيطرت بالفعل على أجزاء كبيرة من مالي والنيجر وبوركينا فاسو أو على الأقل تعمل عناصرها فيها بحرية.

وتقدم الجماعة نفسها أيضا كنسخة أخف من فرع تنظيم داعش المحلي الذي يمارس العنف العشوائي ضد المدنيين في مناطق نفوذ جماعة نصرة الإسلام، كما تبدى الجماعة، ولو حتى نظريا، تقبلا لفكرة المفاوضات مع الحكومة لحل النزاع.

علاوة على ذلك، فإن يوسف العنابي، زعيم تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، سبق أن قال في حوار غير مباشر مع وسيم نصر أيضا عام 2023 إن جماعته تقاتل داخل أفريقيا فقط ولا تمثل أي تهديد للغرب.

الخلاصة

بات من الواضح للعيان أن القفز من سفينة القاعدة التي توشك على الغرق شرط أساسي أمام أفرع التنظيم حول العالم لإعادة تأهيلها، وأن الارتباط بالتنظيم الدولي وصمة لا يمكن إحراز تقدم دون التخلص منها، ليس تنظيميا فقط، بل التخلص من الأفكار المتطرفة التي تحملها القاعدة، خاصة بعد أن تورطت في التخادم مع النظام الإيراني في ظل وجود مقر قيادة التنظيم في طهران.

وبصرف النظر عن أي انتقادات يمكن توجيهها إليه، فقد تبين بوضوح أن أحمد الشرع كان أكثر ذكاء وأسرع بديهة من قادة آخرين تابعين للقاعدة، وذلك حين قرر التحول إلى حركة محلية وبدأ في فهم السياق الإقليمي والدولي بتركيز وبراجماتية وتخلص من الانتماء للتنظيم الجهادي الدولي الذي تحول إلى جثة تنظيمية هائمة تنتظر إعلان وفاتها، فهل سيكون الجولاني مصدر إلهام للانفصال التالي عن أجندة “الجهاد العالمي” للقاعدة؟

أخبار ذات صلة

0 تعليق