أحمد الشرع وصبغة الجهادية
أهلاً بكم إلى حلقة هذا الأسبوع من المرصد نغطي فيها الفترة من ٢٦ مارس إلى ٩ أبريل ٢٠٢٥. إلى العناوين:
- هل تنجو إدارة ”الشرع“ من ”لعنة“ الجهادية والتصنيف؟
- السياسي السوري الأمريكي محمد غانم: أمريكا تصف إدارة دمشق ”بحكومة هيئة تحرير الشام“
- معلومات جديدة عن فترة شباب إياد أغ غالي – انقلاب على ”الرفاق. فهل ينقلب على القاعدة في خريف العمر؟
- داعش ينحسر على الأرض ”ويتمدد“ في الفضاء الافتراضي
- في سابقة، فتور إعلام داعش والقاعدة في رمضان والعيد
ضيف الأسبوع، ريكاردو فاليه Riccardo Vale، الباحث المتخصص في الجهادية والأمن في أفغانستان وباكستان ووسط آسيا. مدير البحث في موقع ”مذكرات خراسانية“ أو Khorasan Diary
الشرع/ الجولاني ولعنة القاعدة
ابتداء من ٦ أبريل، شاع خبر يقول إن أمريكا ”خفّضت“ الوضع القانوني للبعثة السورية لدى الأمم المتحدة إلى ”بعثة لحكومة غير معترف بها؛“ مع ”إلغاء تأشيرات“ أعضاء البعثة وتحويلها إلى فئة أقل.
لم يُنقل الخبر وقتها عن مصدر رسمي أمريكي أو أممي أو سوري. ولهذا كثرت التكهنات. لكن بعد يومين تقريباً، اتضح أن الجزء الأول من الخبر لم يكن دقيقاً.
يوم ٧ أبريل، قال المتحدث باسم الأمم المتحدة ستيفان دوجاريك إنه ”لم يطرأ تغيير على وضع الجمهورية العربية السورية في الأمم المتحدة؛“ فهي لا تزال بلداً عضواً. وأوضح أن العضوية محكومة بميثاق الأمم المتحدة؛ أما الاعتراف فهو محكوم بقرار الحكومات.
في الجانب الآخر، أكد أنه طرأ تغيير على التأشيرات الممنوحة لأعضاء البعثة السورية الدائمة من دون أن يؤثر ذلك على وضع البلد القانوني في المنظمة الدولية.
إلى هنا، تبدو الأمور واضحة. لكن، في اليوم الأول من شيوع الخبر من دون وجود قناة رسمية تؤكد أو تنفي، لفت توضيح شاف كتبه السياسي السوري الأمريكي محمد علاء غانم في حسابه على إكس. قال غانم إن ”الحكومة الأمريكية لم تعترف بعد بالإدارة السورية الجديدة وما زالت تسمّيها في مراسلاتها الداخلية ب ‘السلطات التابعة لهتش (هيئة تحرير الشام).‘” انتهى الاقتباس. وهكذا يبدو أن الإجراء المتعلق بالتأشيرات جاء دليلاً على توجس واشنطن من الإدارة الجديدة في دمشق.
يعزز ذلك ما جاء في المؤتمر الصحفي اليومي للناطقة باسم الخارجية الأمريكية، تامي بروس. يوم ٣١ مارس، قالت بروس إن ”على السلطات السورية الانتقالية أن تنبذ الإرهاب نبذاً تاماً، وأن تقضي عليه، وأن تستثني المقاتلين الإرهابيين الأجانب من تولي مناصب رسمية.“ وأضافت أن أمريكا ستواصل ”تقييم سلوك السلطة الانتقالية“ ومن ثم تحديد الخطوة التالية التي ستتخذها واشنطن تجاه سوريا.
إذاً، وبالرغم من الحضور الدولي الذي حظيت به الإدارة الجديدة في دمشق بعد سقوط نظام الأسد، تظل أمريكا متوجسة من تاريخها المرتبط بالقاعدة وداعش؛ وهو ما سيؤثر حتماً على أهم ملف يواجهه السوريون – العقوبات الاقتصادية.
لكن، في استعراض ردود مباشرة وغير مباشرة على هذا ”الرأي،“ لفت موقفان متضادان. في الأول، كتب حساب أبي يحيى الشامي على التلغرام، وهو معارض لحكومة دمشق بحكم أصلها النابع من هيئة تحرير الشام. يلفت الرجل إلى أن تصدّر شخصيات الهيئة السياسة السورية لا يخدم البلد. يقول: ”نادينا ونادت جهات مختصة كثيرة توقعت ما يجري الآن؛ أن يُصدَّر في الحكومة شخصيات غير مصنَّفة، ولا لها تاريخ يمكن استعماله بالابتزاز.“
على الجانب الآخر، نجد سوريين يعتبرون هذه الحكومة أقرب إلى النظام منها إلى التنظيمات الجهادية. السياسي السوري خالد خوجة كتب على إكس: ”كان من المفهوم أن تحافظ هيئة تحرير الشام على مسافة تمنع التقاطع بينها وبين قوى الثورة قبل التحرير بسبب التوجه الأيديولوجي الذي كان يسودها مع بعض التيارات السلفية الجهادية الأخرى. مالم يكن من المتوقع هو حجم التقاطع الذي حصل بينها وبين النظام بعد التحرير إلى الحد الذي يقودها إلى تذويب الثورة داخله.“ وفي هذا إشارة تحديداً إلى سياسة التعيينات التي انتهجها حكام سوريا الجدد والتي ضمت شخوصاً عُرفوا بموالاتهم النظام السابق؛ بالإضافة إلى إطلاق سراح آخرين متهمين بقمع ”الثوار.“
الخلاصة هنا هي أن أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني) لا يزال عالقاً بين الداخل والخارج. أما ”الداخل“ السوري فلا يزال غير قادرعلى تجاوز نظام عائلة الأسد؛ أما ”الخارج“ فلا يزال غير قادر على تجاوز إرث القاعدة وداعش.
إياد أغ غالي … من الموسيقى إلى الإرهاب
شخصية جهادية جدلية أخرى هو إياد أغ غالي زعيم جماعة نصرة الإسلام والمسلمين في مالي. في ٣١ مارس، نُشر مقال في صحيفة وموقع The Wall Stree Journal الأمريكي عن جوانب من حياة إياد أغ غالي زعيم الجماعة التابعة للقاعدة في غرب إفريقيا.
ينقل المقال شهادات من رفاق إياد عن حبه للموسيقى، بل ودوره في دعمهم ضمن الفرقة الطوارقية العالمية تيناريوين Tinariwen. كان يرافقهم. وألّف لهم أغنية ”بسم الله“ الشهيرة.
تتضمن هذا الشهادات وصفاً للتحول الذي مرّ به إياد بدءاً من عمله تحت إمرة الزعيم الليبي السابق مُعمر القذافي، مروراً بانفصاله عنه ورفضه أن ”يقاتل في حروب الآخرين“ انتهاء بتخليه عن قيادة الكفاح الطوارقي مقابل تبني أفكار متشددة متأثراً بدعاة جاؤوا من باكستان.
ما يهمنا حقيقة في هذه القصة هي كيف أن ”التخلي عن رفاق الدرب“ ثيمة تكاد تكون ثابتة عند الجهاديين. في ٢٠١٢، سيطر الطوراق على شمال مالي؛ لكن إياد من خلال جماعته ”أنصار الدين“ انقلب على هذا الإنجاز وطرد أهله من مدينتة تمبكتو الشهيرة.
وعليه، يهمنا أن نعرف إذا كان إياد سينقلب مرة أخرى على القاعدة مقابل تحقيق مكاسب سياسية في مالي لم يستطع تحقيقها طوال عقد من الزمان. هل سيذهب مذهب طالبان في أفغانستان؟ أو حتى الجولاني في الشام؟ هل سيتخذ هو هكذا قرار؟ أم سيكون هذه المرة في الطرف الآخر ويجد من ينقلب عليه من ضباطه ومساعديه؟ هذا ما يهمنا من تاريخ الرجل وحاضره.
داعش خراسان ٢٠٢٥
نقل موقع مذكرات خراسانية Khorasan Diary أن السلطات الباكستانية ألقت في فبراير الماضي القبض على العقل المدبر لتفجير مطار كابول الدولي بعيد سيطرة طالبان على الحكم في أغسطس ٢٠٢١. التفجير أسفر عن قتل أكثر من ١٨٠ شخصاً من بينهم ١٣ جندياً أمريكياً.
السلطات كشفت أن الداعشي هو محمد شريف الله المعروف أيضاً باسم جعفر؛ وقالت إنه ”قيادي“ في داعش خراسان. شريف الله رُحل إلى أمريكا حيث أدين بالجرائم المنسوبة إليه ومنها ضلوعه في تفجير قاعة كروكس في موسكو في مارس ٢٠٢٤.
وهذا يُذكر بأن داعش خراسان كان في قلب التحول الذي شهده التنظيم في العامين الأخيرين. فرغم انحسار الحضور المكاني، استطاع داعش التمدد في الفضاء الافتراضي وتجنيد مقاتلين وصلوا إلى مناطق غير متوقعة في العالم.
دراسة حديثة للباحثين لوكاس ويبر و كات كيدينهيد Lucas Webber & Cat Cadenhead، تقول إن داعش خراسان ”تطور“ من جماعة تقاتل ضمن حدود قطرية إلى ”خطر“ عابر للقارات. ويوضح الباحثان أن في قلب ذلك (التحول الاستراتيجي)، كانت مؤسسة العزائم ”التي تمثل الذراع الإعلامية للجماعة؛ والتي تنتج بلغات مختلفة من الباشتو والداري إلى الروسي والإنجليزي والتركي والأوزبكي. ما يتيح لها الوصول إلى أفراد أبعد من جنوب ووسط آسيا.“
الإعلام الجهادي في رمضان ٢٠٢٥
لأول مرة ربما، تخلو المنصات الإعلامية للجماعات المنضوية تحت القاعدة وداعش من ”الحملات“ المعتادة في شهر رمضان وحتى العيد. هذا القصور الإعلامي لا شك يعكس قصوراً على الأرض.
عن إعلام داعش في رمضان، كتب حساب قناة فضح عباد البغدادي والهاشمي على منصة RocketChat تحت عنوان ” ”الشهر الذي فضح الديوان؛“ أي ديون الإعلام المركزي التابع لداعش. يقول الحساب: ”لم نشاهد إصداراً من أي ولاية ولم نسمع كلمة من المتحدث ولا حملة إعلامية من الديوان، ولم تُعمّم ولو صورة واحدة من يوميات المقاتلين خلال رمضان.“ يربط الحساب بين هذا الفتور في الإعلام الرسمي وتراجع في الإعلام المناصر الذي يعاني ”اختراقات أمنية … وحرباً أهلية هَمُّ زعمائها الوحيد هو الاِنتصار لأنفسهم وفضح رفقاء دربهم …“
مينا اللامي، المتخصصة في الجهادية في خدمة BBC Monitoring، استعرضت في حسابها على إكس، الصور التي نشرتها جماعات القاعدة تحديداً توثيقاً لاحتفالات العيد. ولاحظت ”تقلصاً“ في النشر في العامين الماضيين ”بسبب انحسار القدرة الإعلامية والقتالية.“ كما لاحظت أن شكل النشر، خاصة في مؤسسة الزلاقة الذراع الإعلامية لجماعة نصرة الإسلام والمسلمين في مالي، بات يشبه أكثر فأكثر أسلوب وكالة أعماق التابعة لداعش.
الحرب في الصومال
تواصل جماعة شباب الموالية للقاعدة تقدمها في مساحات مهمة من جنوب الصومال سواء في الشريط المحيط بالعاصمة مقديشو أو الأبعد قليلاً المحاذي للحدود مع إثيوبيا.
أبرز الاحداث في فترة الرصد كان قتال وصف بالعنيف في بلدة أبوري الواقعة في ولاية هيران شمال غرب العاصمة. لفت في هذا القتال قدرة الجماعة على أخذ المدينة بسرعة، قابلها لاحقاً هجوم مضاد عنيف قادته القوات الحكومية. لفت أيضاً أن قضى ضباط في هذه المعركة كان أبرزهم قائد في وحدة القوات الخاصة.
نتابع هذه الأحداث وعيننا على أمرين. أولاً، ماذا لو سقطت مقديشو في يد جماعة شباب؟ ماذا لو سيطرت الجماعة على البلد؟ هل ستسعى إلى الخروج من إطار ”الجماعة“ إلى ”الدولة“ ضمن المحيط الإقليمي والعالمي أسوة بطالبان مثلاً، وما يترتب عليه من نبذ القاعدة؟
ثانياً، أي ثمن سيكون مرضياً لجماعة شباب مقابل تدعيم تعاون مفترض ومنطقي مع الحوثيين – ومن ورائهم إيران حيث يعيش زعيم القاعدة سيف العدل؟ أي سلاح سيغري الجماعة بإثراء هكذا تعاون؟
أخبار متعلقة :