جهاد طروادة يتوسع للمغرب العربي.. هكذا استخدمت إيران البوليساريو في سوريا - خليج نيوز

لماذا تدعم إيران البوليساريو في المغرب العربي؟

ضمن استراتيجية”جهاد طروادة” الإيرانية لتوظيف التنظيمات الإرهابية والمسلحة حول العالم، تورط الحرس الثوري الإيراني في دعم جبهة البوليساريو التي تسعى للانفصال بالصحراء المغربية عن المملكة المغربية.

ويوجد المعقل الرئيس للبوليساريو في الجزائر، ولكن أعيد تسليط الأضواء على علاقتها بإيران عقب سقوط نظام بشار الأسد في سوريا في ديسمبر الماضي، إذ سحبت طهران قواتها بسرعة تاركة خلفها مسلحي البوليساريو الذين وقعوا في قبضة السلطات السورية الجديدة، وكشف تقرير حديث لصحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية، أن المئات من عناصر الجبهة الذين كان الإيرانيون يدربونهم ما زالوا قيد الاحتجاز حتى اليوم.

فبينما يتركز الاهتمام الإعلامي على الأذرع الرئيسية للحرس الثوري الإيراني مثل حزب الله إلا أن الجانب الخفي يتمثل في اختراق التنظيمات غير الشيعية وغزو الدول والمجتمعات العربية من خلالها وهو ما أطلقت عليه “أخبار الآن” مصطلح “جهاد طروادة“.

وكان السفير الدائم للمغرب لدى الأمم المتحدة، عمر هلال، اتهم إيران بالانتقال من مرحلة التدريب إلى تجهيز البوليساريو بالطائرات بدون طيار في عام 2022، متهما الطرفين بزعزعة الاستقرار في المنطقة، إذ أعلنت البوليساريو في ذلك العام أن طهران ستزودها بطائرات مسيرة انتحارية في إطار صراعها ضد المملكة المغربية، الأمر الذي يُمثل خطرًا جسيمًا على أمن واستقرار المنطقة وتهديدا لوقف إطلاق النار في الصحراء.

وقد حذر لويلين كينغ، نائب رئيس التحرير السابق لواشنطن بوست، من هذه العلاقة بشدة في مقال له بعنوان “الطائرات بدون طيار الإيرانية في شمال إفريقيا، تهدد المغرب”، مشيرا إلى أن العالم منشغل بمتابعة التهديد النووي لإيران، بينما تتوسع الأخيرة في توريد الطائرات المُسيرة للانفصاليين في أنحاء العالم.

ويتمسك المغرب بوحدة أراضيه ويطرح الحكم الذاتي كحل لإنهاء التمرد في الصحراء، بينما تطالب البوليساريو بتنظيم استفتاء لتقرير المصير.

ويهدف فيلق القدس الذراع الخارجي للحرس الثوري الإيراني ووزارة الاستخبارات الإيرانية، إلى تأسيس محور أفريقي ليكون منطلقًا لاختراق دول المغرب العربي والغرب الأفريقي ونشر النسخة المتشددة من التشيع مع نشر الخلايا الإرهابية في المنطقة.

سقوط البوليساريو في سوريا

استغلت طهران نزاع الصحراء الغربية للتآمر على الوحدة الترابية المغربية مقابل استخدام مقاتلي البوليساريو كوقود لآلة القتل الطائفية في سوريا بمعرفة فيلق القدس الإيراني ودعم ميليشياتها الشيعية التي تقاتل لدعم حكم بشار الأسد، فتم شحن العديد من الانفصاليين إلى سوريا بمعرفة فيلق القدس الذراع الخارجي للحرس الثوري الإيراني بحجة تدريبهم وإكسابهم مهارات عسكرية لخدمة مشروعهم الانفصالي قبل عودتهم إلى معسكراتهم في تندوف بالجزائر لاستخدام هذه الخبرات في عمليات ضد المملكة المغربية.

وبحسب النائب العراقي السابق عمر عبد الستار، فإن هؤلاء كانوا تحت إشراف المستشار العسكري الإيراني بور هاشمي الذي قُتل مؤخرا خلال عملية ردع العدوان، كما تلقى الانفصاليون تدريبا خاصا مع مستشارين عسكريين إيرانيين في مخيمات تندوف، ودخلوا سوريا قبل عدة أشهر باستخدام جوازات سفر جزائرية، لكن السفير الجزائري في سوريا، كمال بوشامة، لم يعترف بوجود بهذا الأمر رغم محاولته إطلاق سراحهم.

وبحسب ما تسرب من معلومات فقد كانت مناطق انتشار مسلحي الجبهة في قاعدة دفاع جوي في السويداء، ومطار الثعلة العسكري، واللواء تسعين الذي يبعد 20 كيلو مترًا عن مرتفعات الجولان، وعلى مدار الثلاث سنوات الماضية، دربّت إيران مسلحي الجبهة في معسكرات جيش الأسد في ريف درعا.

من جهته أكد اللواء أركان حرب، نصر سالم، أستاذ العلوم الاستراتيجية بالأكاديمية العسكرية للدراسات العليا والاستراتيجية، أن إيران تدعم جبهة البوليساريو بهدف تحقيق السيطرة كما تفاخر الإيرانيون في يوم من الأيام بأنهم باتوا يسيطرون على أربع عواصم عربية، فالعلاقة مع البوليساريو هدفها استخدام هذه العلاقة للضغط على الدولة المغربية في الملفات الخلافية، فيكون دعم هذه الحركة أداة للضغط لأهداف سياسية لمصلحة إيران في قضايا معينة فيتم الضغط على المغرب لو وقف ضد طهران في أي محفل دولي.

وأضاف اللواء نصر سالم في تصريحات خاصة لـ”أخبار الآن” أنه عندما يقف طرف ما ضد مصلحة الطرف الآخر أحيانا يتم دعم المعارضة كأداة ضغط لإجباره على التراجع عن موقفه، وهذه هي السياسة اللي تتبعها إيران، وهي إحدى طرق تعزيز القدرات الدبلوماسية، فيتم استخدام العلاقات بهذه الجماعات ضد الدول وتهديدها بتحريك الأذرع أو الخلايا الكامنة ضدها والتسبب بمشاكل للدول بدون تدخل مباشر.

وحول المصلحة الجزائرية في هذا الأمر، أكد الخبير الاستراتيجي أن الخلافات بين المغرب والجزائر حول قضية الصحراء المغربية تدفع الجزائر لأخذ مواقف معاكسة ضد المغرب في قضاياه الداخلية، وهو ما يتماشى مع سياسة إيران التي تساند الجزائر في المحافل الدولية على العكس من المغرب، فهنا المصلحة المشتركة تجمع بين الجزائر وإيران في دعم جبهة البوليساريو في مواجهة المغرب الذي يعد الخصم المشترك لكلا الطرفين.

جهاد طروادة يتوسع للمغرب العربي.. هكذا استخدمت إيران البوليساريو في سوريا

ويشير الدكتور خالد يايموت، أستاذ العلوم السياسية والنزاعات الدولية بجامعة سيدي محمد بن عبدالله فاس بالمغرب، إلى أنه رغم تراجع العلاقة بين جبهة البوليساريو من جهة وإيران وحزب البعث السوري من جهة أخرى في بداية التسعينات لكن العلاقات السياسية لم تنقطع مع الجبهة إما عن طريق الجزائر أو بشكل مباشر ولكنه غير معلن من الناحية السياسية.

وأضاف في تصريحات خاصة لـ”أخبار الآن” أن الأخطر في القضية هي أن العلاقة العسكرية بين كل من إيران وحزب البعث السوري مع جبهة البوليساريو قديمة وكان المنسق والمشرف الرئيسي للجانب العسكري هو نايف حواتمة كشخصية فلسطينية يسارية راديكالية عنيفة، ولكن فيما بعد تطورت الأمور إلى أن وصلنا إلى في سنة 2014 وفي 2015 إلى أن يكون هناك زيارات لوفود من شخصيات عسكرية لحزب الله إلى المناطق الحدودية المغربية الجزائرية والتي تتمركز فيها البوليساريو كحركة مسلحة تستضيفها الجزائر في ترابها خصوصا في محافظة تندوف وفي مناطق أخرى.

وتابع أستاذ العلوم السياسية أن الجبهة استعانت بمشرفين هندسيين من حزب الله لحفر الأنفاق فيما بعد في سنة 2018، ثم تم تبادل خبراء بين البوليساريو وحزب الله فيما يتعلق بالطائرات المسيرة.

ولفت الدكتور خالد يايموت إلى أن المسألة المثارة الآن في الإعلام الأمريكي قديمة، فسوريا كانت محطة كبيرة لتدريب البوليساريو في السنوات الأخيرة لأن الجبهة من الناحية العملية فقدت التدريبات التي كانت تتم في ليبيا ومالي وعلى الحدود الليبية التشادية، لذا عندما احتاج النظام الأسد لمقاتلين تم الزج بمقاتلي البوليساريو في المواجهة مع المعارضة السورية والتي تحولت الآن إلى الإدارة الجديدة في دمشق ولذلك تعرضت ما قد يزيد عن 300 من المقاتلين الرسميين حسب بعض الإحصائيات على الأقل للسجن كمقاتلين أجانب في سوريا.

وأردف يايموت أنه بعدما حدث في سوريا مؤخرا فقدت البوليساريو أكبر ساحة تدريب لها، فرغم أن مقاتلي الجبهة كانوا يذهبون زيارات إلى الأراضي اللبنانية بشكل متكرر لكن سوريا كانت ساحة التدريب الكبرى، وهذا هو الإشكال الذي تواجهه الآن جبهة البوليساريو والجزائر.

وألمح إلى أن فيما يخص نفي الجزائر وكذلك جبهة البوليساريو أمس واليوم لما جاء في تقارير أمريكية متعلقة بوجود مقاتلين من البوليساريو الآن في سوريا فهذا النفي يأتي في سياق عربي يجعل من الجزائر في زاوية ضيقة من أمرها خصوصا فيما يتعلق بالصحراء المغربية، والمقصود بالسياق العربي الآن هو أن سوريا بإدارتها الجديدة تستدير من ناحية علاقتها الإقليمية إلى الضفة العربية من جديد وهذه الاستدارة تعني التقاء مع التحالف المغربي الكلاسيكي أي دول الخليج فهذا هو الإشكال الرئيسي السياسي الذي تواجهه الجزائر وكذلك جبهة البوليساريو فكانت الجزائر تقف إلى جانبها في هذه القضية من ناحية خلق الاضطرابات الأمنية في المغرب وفي الفضاء الصحراوي، وكانت تجد إلى جانبها نظام الأسد والحرس الثوري كممول وكذلك كدافع لهذه النوع من المبادرات، والآن ينكفي كل هذا وينكمش بشكل كبير جدا مع التحولات التي وقعت في ليبيا وكذلك في سوريا خصوصا أن الإدارة الجديدة في سوريا لا يمكنها بشكل من الأشكال أن تدعم حركة انفصالية لأنها نفسها تواجه حركات تود الانفصال عن سوريا.

جهاد طروادة يتوسع للمغرب العربي.. هكذا استخدمت إيران البوليساريو في سوريا

تحالف المنبوذين

لم يقتصر تخادم البوليساريو مع إيران بل تعداه إلى حلفائها، فقد كشفت تقارير إعلامية عن زيارة وفد رسمي من البوليساريو إلى العاصمة العراقية بغداد في يوليو 2024، حيث التقى بقيادات من ميليشيات الحشد الشعبي والحرس الثوري الإيراني، ما أثار غضب الرباط، وقد شكل ظهور أعضاء ميليشيا البوليساريو وهم يحملون صورة الخميني، المرشد الأعلى السابق لإيران نذير خطر في منطقة المغرب العربي ومؤشرا على عمق اختراق طهران لهذه المنطقة البعيدة نسبيًا عن الأراضي الإيرانية.

وتعدى الأمر إلى تخادم بين البوليساريو وحلفاء طهران الدوليين مثل روسيا، ففي الحادي عشر من أبريل الجاري، أعلن عضو الكونجرس الأمريكي عن الحزب الجمهوري، جو ويلسون، أنه سيقدم مشروع قانون لتصنيف البوليساريو ككيان إرهابي.

وغرد عبر حسابه على منصة التواصل الاجتماعي X (تويتر سابقا)، مؤكدا أن المسار الوحيد الممكن لحل واقعي لمشكلة الصحراء الغربية هو الحكم الذاتي المغربي، مردفًا أن روسيا والجزائر تستخدمان البوليساريو للحصول على موطئ قدم استراتيجي في الداخل الأفريقي.

وكانت الرباط قطعت علاقاتها مع إيران في مطلع مايو 2018 بسبب اتهامها بتسليح البوليساريو، وهو ما نفته الخارجية الإيرانية الأربعاء آنذاك في بيان لها معربة عن أسفها لقطع العلاقات، لكن وزير الخارجية المغربي أكد تورط طهران وحزب الله اللبناني في دعم البوليساريو من خلال تسليح مقاتليها، وتدريبهم على حرب المدن، وتم استدعاء سفير المملكة في إيران، وإغلاق السفارة المغربية في طهران.

اللافت أن العلاقات بين طهران والرباط آنذاك كانت مقطوعة لسنوات طويلة قبل ذلك على خلفية اتهام المغرب لإيران بنشر التشيّع في البلاد، واختراق المجتمع المغربي وتكوين خلايا موالية لإيران داخل المملكة.

خاتمة

في إطار استراتيجية جهاد طروادة استطاعت إيران تجنيد مجموعة من التنظيمات الإرهابية والجماعات المسلحة لتعزيز مصالحها لخدمة مصالحها عبر توريط تلك الجماعات في حروب بالوكالة عن إيران ضمن السياسية الإيرانية الأوسع التي تتسم بالتدخل في مناطق النزاعات والاستثمار في الإرهاب والفوضى لخدمة أهداف سياستها الخارجية مثلما حدث مع جبهة البوليساريو الانفصالية التي تتنازع مع المغرب على منطقة الصحراء الغربية.

ولا تهدد جبهة البوليساريو الوحدة الترابية المغربية فحسب، بل بعد تورطها في جهاد طروادة أصبحت تشكل تهديدا للمنظومة الأمنية في المنطقة العربية عبر تورطها في خدمة السياسات التوسعية الإيرانية كما وقع في سوريا، وكالعادة سحبت طهران قواتها وتخلت عن مقاتلي البوليساريو ولم يتم إجلاؤهم حين سقط نظام الأسد الحليف لطهران.

وتشكل حالة البوليساريو نموذجًا واضحًا لاختراق طهران للتنظيمات المسلحة التي لا تشاركها الأرضية الفكرية ولا تجمعها بها سوى المصالح الآنية والنهج المزعزع لاستقرار دول المنطقة والتآمر على حكوماتها وشعوبها مثلما وقع مع تنظيم القاعدة وغيره من الجماعات المسلحة في المنطقة العربية.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق تقرير "arabnews": هل انتهت "حرب لبنان" حقاً؟ - خليج نيوز
التالى هذا ما تحتاج إليه الحكومة لكسب ثقة الناس - خليج نيوز