خليج نيوز

أطفال في لبنان بمرمى الخطر.. محال الألعاب تتحول إلى بؤر بلا رقيب - خليج نيوز

 
في شوارع المدن اللبنانية، من بيروت إلى طرابلس، ومن صيدا إلى البقاع، تنتشر محال الألعاب الإلكترونية كالنار في الهشيم. فبين الأحياء، وتحت الأبنية السكنية، وفي الزوايا التجارية التي كانت يوماً مغلقة، تنبض شاشات البلايستيشن وأجهزة الكمبيوتر بالحركة، مستقطبة جمهورًا واسعًا من الفتيان والمراهقين، وحتى الأطفال في سنّ مبكرة. فما بدا قبل سنوات خيارًا ترفيهيًا نخبويًا، بات اليوم ظاهرة شعبية واسعة الانتشار، مدفوعة بتغيرات اجتماعية واقتصادية عميقة، وبفراغ كبير في البيئة التربوية والرياضية الرسمية، وأيضاً نتيجة التطور المتسارع في ثقافة الألعاب الرقمية التي باتت لغة العصر الجديدة.

Advertisement

 
لكن خلف هذه الظاهرة الديناميكية والإيجابية في ظاهرها، يختبئ واقع أكثر تعقيداً، تحوّلت فيه هذه المحال إلى مساحات رمادية تفتقر إلى التنظيم، وتسمح بانزلاقات خطيرة، أبرزها التدخين بين القاصرين والمراهنة غير القانونية، في غياب رقابة حقيقية.
 
 
تنفّس حضري بديل في بلد بلا بنية شبابية
لا يمكن تجاهل الدور الإيجابي الذي تؤديه هذه المحال، خاصة في البيئات المحرومة من الحدائق العامة والملاعب المنظمة والمراكز الشبابية. فهي تشكل متنفساً للشباب، وتقدّم مساحة للتفاعل والتسلية ضمن بيئة منضبطة نسبياً مقارنة بالشارع. ويقول أحد أصحاب هذه المحال في إحدى القرى لـ"لبنان24": "نحن نملأ فراغاً تركته الدولة. الشباب بحاجة إلى أماكن يشعرون فيها بأنهم جزء من شيء، وأن لديهم هواية يمارسونها. الأهل لا يملكون القدرة على دفع اشتراك في نادٍ رياضي أو إرسال أولادهم إلى نشاطات ثقافية باهظة الكلفة".
 
هذه المساحات، التي تُفتتح غالباً برأسمال صغير نسبيًا، تتحوّل إلى نقاط جذب اجتماعي، وتخلق تفاعلات جديدة بين أبناء الأحياء. لكنها، في المقابل، تعمل في بيئة قانونية ضبابية، حيث لا وجود لأي نص واضح ينظّم آليات عملها، أو يفرض شروطًا عمرية وصحية صارمة، كما هو الحال في كثير من الدول.
 
التدخين بين القاصرين: من دون محاسبة
مصادر أمنية كشفت لـ"لبنان24" أن عدداً متزايداً من محال الألعاب الإلكترونية بات يشهد انتشاراً مقلقاً للتدخين بين القاصرين، لا سيما من خلال السجائر العادية والإلكترونية، والنرجيلة أحياناً، داخل الأماكن المغلقة.
وفي بعض الحالات، يتم ذلك بعلم أصحاب المحال أو حتى بمشاركتهم، في مقابل تحصيل أرباح جانبية من بيع السجائر أو "رؤوس" النرجيلة. وتقول المصادر: "نحن لا نتحدث عن حالات فردية، بل عن ظاهرة تتوسّع بصمت. هناك محال يُسمح فيها بتدخين قاصرين داخل غرف مغلقة ومن دون نظام تهوية، وسط غياب تام لأي رقابة صحية أو بلدية".
 
المخاوف لا تقف عند التدخين فحسب، بل تتصل بأثر هذا النمط من الحياة على السلوك اليومي للفتيان، لا سيما عند سنّ حرجة، حيث يصبح كل تقليد سلوكاً دائماً.
 
 
رهانات خاسرة: المال مقابل "Game Over"
من الظواهر الأكثر إثارة للقلق، ما كشفته المصادر ذاتها حول انتشار نوع من المراهنة بين اللاعبين القاصرين داخل بعض هذه المحال. تبدأ العملية بشكل بسيط: يدفع اللاعب مبلغاً إضافياً مقابل دخول تحدي معين، يفوز فيه بجلسات مجانية أو جوائز بسيطة، لكنه غالباً ما يخسر، ويطلب إعادة اللعب في مقابل دفع مبالغ أخرى.
 
هذه الأنشطة، وإن كانت تبدو ترفيهية في ظاهرها، تحمل سمات مراهنة محرّمة قانونياً على القاصرين، وتفتح الباب أمام فقدان السيطرة المالية، والوقوع في دوامة من الخسارات والضغط النفسي وحتى الاستدانة.
 
هذه المراهنات تخلق سلوكاً قهرياً شبيهاً بإدمان القمار. الخطر لا يكمن في المبلغ، بل في الميكانيكية العقلية التي تبدأ بالترسّخ لدى الفتى. نحن نُنتج جيلاً يعيش على منطق الربح السريع والخسارة السهلة.
 
حتى اليوم، لا تخضع محال الألعاب لأي إطار قانوني أو بلدي محدد. فبعض البلديات تغضّ الطرف عنها، وبعضها يجهل وجودها أصلاً، بينما لا توجد وزارة أو جهاز رسمي معني مباشرة بالإشراف على هذه المساحات، رغم أن جمهورها من الفئات الأكثر هشاشة: وهم القاصرون.
 
غياب التنسيق بين وزارات التربية، والشباب والرياضة، والداخلية، يخلق فراغاً تنظيمياً يتيح للعديد من هذه المحال التحوّل إلى مساحات خطرة، من دون أن يكون القصد دائماً سيئاً، بل بسبب غياب الإرشاد والمتابعة. ويحذر تربويون من أن هذه البيئة ستنعكس على سلوك الطلاب داخل المدارس، في ظل تراجع الرقابة الأهلية وانشغال الأهل بأعباء الحياة اليومية.
 
المعضلة اليوم لا تكمن في منع هذه المحال أو محاربتها، بل في غياب الإرادة لتنظيمها. فهي ظاهرة ستبقى وتتوسع، ولها جمهورها وضرورتها. لكن المطلوب هو وضع قواعد واضحة تحفظ سلامة الأطفال وتمنع استغلالهم، من خلال:
 
- إصدار قرار وزاري أو بلدي يُلزم المحال بوضع حدٍّ عمري للروّاد.
 
- منع التدخين منعاً باتاً داخل هذه الأماكن، تحت طائلة المحاسبة.
 
- مراقبة أي نشاط يحمل طابع المراهنة، ولو كان ضمن ألعاب.
 
- فرض تراخيص نظامية على كل محل، تحدد المعايير والرقابة الدورية.
 
تشكّل محال الألعاب الإلكترونية اليوم وجهًا جديدًا للمدينة اللبنانية. هي ليست بالضرورة مشكلة، لكنها تعكس واقعاً أكبر: دولة تتراجع، ومجتمع يبحث عن بدائل بوسائله الخاصة. لكنها أيضاً تذكير بأن الترفيه إذا تُرك من دون ضوابط، قد يتحوّل إلى مساحة انزلاق خفي... لا يُكتشف إلا بعد فوات الأوان.

أخبار متعلقة :