تفجيرات منبج.. الأسباب والتداعيات والسياق السياسي والأمني
منبج، المدينة الواقعة في شمال سوريا، والتابعة لريف حلب أصبحت اليوم مسرحًا لتوترات سياسية وأمنية متزايدة، خاصة بعد سيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد) عليها في عام 2016 بدعم من التحالف الدولي. رغم أنها ظلت بعيدة إلى حد كبير عن العمليات العسكرية الواسعة، إلا أن التفجيرات الأخيرة تشير إلى هشاشة الوضع الأمني فيها، مما يطرح تساؤلات حول الجهات المسؤولة، والتأثيرات المحتملة على مستقبل المنطقة.
تفجيرات منبج.. تسلسل الأحداث والأهداف
شهدت مدينة منبج خلال الأشهر الأخيرة سلسلة من التفجيرات التي استهدفت قوات الأمن، والمدنيين، وأحيانًا الأسواق والأحياء السكنية. أحدث هذه التفجيرات وقع في 3 فبراير 2025، حيث تم استهداف سيارة تقل عددا من العاملين في القطاع الزراعي أغلبهم من النساء. حيث قتل نحو 20 شخصا وأصيب أكثر من 15 آخرين.
ويأتي هذا الهجوم في سياق تصعيد أمني أوسع شهد خمس هجمات مماثلة خلال الشهرين الماضيين.
طبيعة التفجيرات وأهدافها
التفجيرات التي تشهدها منبج تحمل بصمات جماعات مسلحة متعددة، من بينها:
- خلايا تنظيم داعش، التي ما زالت نشطة في مناطق البادية السورية، رغم فقدان التنظيم لسيطرته الميدانية.
- عناصر موالية لتركيا، خاصة من الجيش الوطني السوري، الذي يسعى إلى زعزعة استقرار منبج كجزء من استراتيجية الضغط على قسد.
- قسد التي منيت بخسارة كبيرة في المدنية واضطرت للانسحاب إلى سد تشرين.
- جهات مجهولة، قد تكون مرتبطة بصراعات داخلية بين فصائل كردية أو حتى بين قسد والإدارة الجديدة في دمشق.
تستهدف التفجيرات بشكل أساسي الأسواق المزدحمة، والمناطق السكنية بهدف إرباك الوضع الأمني وإثارة الفوضى.
العلاقة بين قسد والإدارة السورية الجديدة
بعد تشكيل الإدارة الجديدة في دمشق أواخر عام 2024، دخلت العلاقة بين الحكومة السورية وقسد مرحلة معقدة.
حيث ترفض الإدارة الجديدة الاعتراف بقسد ككيان مستقل، وتطالب بدمجها ضمن الجيش السوري الجديد تحت سلطة وزارة الدفاع، ويقود هذا الاتجاه وزير الدفاع مرهف أبو قصرة، الذي أكد أن القوات المسلحة السورية يجب أن تكون تحت قيادة مركزية موحدة ،في المقابل، يرفض قائد قسد مظلوم عبدي أي محاولات لحل قواته أو دمجها دون ضمانات سياسية وإدارية لمناطق سيطرة الأكراد.
وتؤدي الخلافات بين الطرفين إلى حالة من الفراغ الأمني في بعض المناطق، مما يوفر بيئة خصبة للجماعات المتطرفة‘ إضافة إلى عدم وجود آلية تنسيق أمني فعالة يجعل إدارة التهديدات الإرهابية أكثر تعقيدًا.
التأثيرات الأمنية والاجتماعية للتفجيرات على السلم الأهلي
منبج تضم خليطًا سكانيًا متنوعًا يشمل العرب، الأكراد، التركمان، والشركس. ومع تصاعد الهجمات والتفجيرات، زادت حالة الشكوك المتبادلة بين هذه المكونات، خاصة مع الاتهامات المتبادلة حول المسؤولية عن العمليات.
كما أن تصاعد الهجمات أدى إلى موجات نزوح داخلي من بعض أحياء منبج إلى المناطق الريفية الأكثر أمانًا‘ إضافة إلى أن العديد من العائلات تفضل دخول قوات ردع العدوان أو ما تسمى حاليا بالجيش السوري بدلا من حكم ميليشيات قسد.
كما تؤثر هذه التفجيرات على الاقتصاد المحلي، وتربك التجارة وحركة الأسواق المحلية بشكل كبير، حيث يخشى التجار من تعرض محالهم لهجمات.
ناهيك عن تأثر الخدمات العامة مثل الكهرباء والمياه والتي تشهد انقطاعًا متكررًا.
مستقبل منبج
مع استمرار الهجمات، هناك عدة سيناريوهات يمكن أن تحدد مستقبل المدينة:
تصعيد عسكري بين قسد وتركيا
إذا استمرت الهجمات التركية واستهداف قسد، فقد نشهد موجة جديدة من المواجهات العسكرية، مما سيؤدي إلى مزيد من الفوضى.
تقارب بين قسد ودمشق
قد تضطر قسد إلى تقديم تنازلات للإدارة السورية الجديدة، خاصة إذا استمرت الضغوط الأمنية والعسكرية.
تدخل أمريكي أكثر وضوحًا
الولايات المتحدة، التي تدعم قسد، قد تضطر إلى اتخاذ خطوات إضافية لمنع سقوط منبج في الفوضى، إما عبر تعزيز وجودها العسكري أو عبر الضغط على تركيا لوقف الهجمات.
وفي النهاية منبج، رغم صغر مساحتها، أصبحت نموذجا مصغرا للصراع السوري الأكبر، حيث تتقاطع فيها مصالح قسد، دمشق، أنقرة، وواشنطن، بالإضافة إلى الجماعات المسلحة. استمرار التفجيرات سيؤثر بشكل خطير على السلم الأهلي، مما يجعل من الضروري تبني حلول سياسية وأمنية متماسكة لمنع انهيار الاستقرار الهش في المنطقة.
أخبار متعلقة :