الشهرة بين الماضي والحاضر

الشهرة بين الماضي والحاضر
الشهرة بين الماضي والحاضر

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
الشهرة بين الماضي والحاضر, اليوم الخميس 22 مايو 2025 02:17 صباحاً

إذا بحثت في اليوتيوب لن تجد مقطعا لحاتم الطائي وهو يذبح خيله إكراما لضيفه، وحتما لن تجد في القنوات التلفزيونية حلقة لزرقاء اليمامة وهي تشارك قدراتها البصرية الاستثنائية في برنامج للمواهب! وإذا بحثت في محركات البحث عن الزير السالم فستظهر لك صور لممثل حصد شهرة واسعة وهو يحاول جاهدا أن يحاكي شخصيته! والأمثلة في هذا المجال لا حصر لها وقد ننجرف إلى سياقٍ لا متناهٍ عن أولئك الأعلام الذين لم نشهدهم، ولكننا نعرفهم جيدا ونستشهد بأقوالهم وأشعارهم وندرس مخرجاتهم ونتاج عقولهم وبنات أفكارهم.

في ما مضى من الأزمان والعصور لم تكن هناك منصات اجتماعية للظهور، وحتى تصبح مذكورا بين الناس ويشار إليك بالبنان أو حتى الاستهجان، فلا بد أن تكون استثنائيا في قدراتك، أو مدويا في سقطاتك! وبناء على ما لديك من المواهب والقدرات، أو السقطات والهفوات، يندفع الناس للحديث عنك ونقل أخبارك في الكتب والمؤلفات.

تلك أمم قد خلت، لم تعرف الكاميرات ولم تعرفها المنصات، تعتمد شهرة من عُرِف منهم من أفرادها على مكانتهم، وعلى مواهبهم، وعلمهم، وإنجازاتهم، ومدى قربهم أو بعدهم عن منظومة القيم ومكارم الأخلاق في مجتمعهم. من عُرِفَ منهم بالمجد عاش عزيزا ومات ولم يمت ذكره، ومن اشتهر منهم بالسوء مات والخزي لا يفارقه، بل يتعداه إلى ذريته وعشيرته!

أما اليوم، فالوصول إلى الشهرة لا يتطلب أكثر من هاتف بذاكرة كافية، وإنترنت لا ينقطع، وشيء من الجرأة على العبث، وكثير من الاستعداد للتنازل عن القيمة. لم تعد بحاجة إلى فصاحة الفرزدق، ولا إلى بلاغة الجاحظ، ولا إلى علم ابن الهيثم. يكفيك مقطع مكرَّر، أو مزحة مبتذلة، أو حتى جدلٌ مفتعل، لتصعد إلى منصة «المشاهير» ويشار إليك بالبنان، لا إعجابا، بل استغرابا!

ربما لا تمتد شهرتك لأجيال وأجيال، كحال من عرفنا ممن اشتهر في سالف الأزمان، وعلى الأرجح لن يُذكر اسمك في كتب التاريخ وسير الأعلام، وعلى الرغم من عدم خلودك في ذاكرة التاريخ، إلا أنك قادر على أن تكون في زمانك أكثر شهرة من الخوارزمي في زمانه! فأبا الجبر لم يعرف في حياته من يتابعه ويهتم لمجريات حياته غير أهله والمقرّبين منه وطلابه، بينما أقل مشهور - في اعتبارات اليوم - يملك على الأقل مليون متابع في إحدى منصات الشهرة! دون أن يكون بحاجة لفهم مصطلح «المعادلات الخطية» فضلا عن حلها!

ولست أقول هنا إن كل المشاهير في وقتنا الحالي برزوا بلا قيمة حقيقية، فمجتمعنا - ولله الحمد - يحوي نماذج من المشاهير يقتدى بهم في جوانب لا حصر لها. هذه الفئة من المشاهير تحديدا لم يظهروا مصادفة بل كانت شهرتهم أحد نتائج نجاحهم لا العكس. ولكنني أعني تراجع معايير الظهور والتأثير، وقدرة الأشخاص على الوصول إلى أوسع شريحة من الجمهور دون محتوى حقيقي أو قيمة مضافة، حتى باتت الشهرة متاحة لمن لا يحمل من المؤهلات سوى الجرأة على كسر المألوف أو استغلال اللحظة، لا لمن يستحق أن يُخلَّد في الذاكرة أو يُحتذى به في المسيرة.

alghamdi2_a@

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق «النانو روبوتات» وثورة العلاج الموجه
التالى علامة جال في مراكز الاقتراع في الغبيري وحارة حريك : للارتقاء بمناطقنا نحو الافضل - خليج نيوز