هدنة الـ 49 هل تزال صالحة؟ - خليج نيوز

يوم وقّع لبنان اتفاقية الهدنة مع إسرائيل عام 1949، أي قبل 76سنة من الآن، لم يكن "حزب الله" موجودًا، ولم تكن فكرة دعم القضية الفلسطينية عسكريًا واردة انطلاقًا من الجنوب، ولم يكن اتفاق القاهرة، الذي شرّع العمل الفلسطيني المسلّح انطلاقًا من الأراضي اللبنانية ضد إسرائيل، قد أبصر النور.

Advertisement

وعلى رغم مرور 76 سنة على توقيع لبنان على هذه الاتفاقية فإن إسرائيل وبحجة أن أمنها الشمالي معرّض دائمًا للخطر استباحت الأراضي اللبنانية أكثر من مرّة حتى أنها وصلت في اجتياح العام 1982 إلى بيروت، وهي أول عاصمة عربية يصل إليها الاحتلال الإسرائيلي، وهي لا تزال تحتل مساحة واسعة من الجنوب بما يُعرف بالتلال الخمس، رافضة تطبيق اتفاق وقف اطلاق النار قبل "تجريد" "حزب الله" من سلاحه ليس فقط في جنوب الليطاني، بل في كل الأراضي اللبنانية، وذلك بحجّة أن لديه من الصواريخ البعيدة المدى ما يجعله قادرًا على تهديد أمن إسرائيل في عمقه وليس فقط في شماله، وذلك انطلاقًا من أبعد نقطة لبنانية، إذ أنه لا يحتاج إلى أن يكون موجودًا في جنوب الليطاني ليهدّد أمن إسرائيل.
وحيال هذا الموقف لا يزال لبنان يدور في حلقة مفرغة وفي دوامة ربط إسرائيل انسحابها الكامل من الأراضي اللبنانية، التي لا تزال تحتلها بقدرة السلطة اللبنانية على "نزع" سلاح "حزب الله"، فيما يصرّ "الحزب" على الانسحاب الإسرائيلي الكامل من كل شبر لا يزال محتلًّا، في الوقت الذي لا يزال لبنان في حاجة إلى العودة إلى هدنة سنة 1949. وهذا ما أشار إليه الرئيس نجيب ميقاتي في حديثه الصحافي الأخير، وهو الذي سعى بكل جدّية يوم حُمّل هموم الوطن بأكمله للعودة إلى هذه الاتفاقية، التي تُعتبر حدثًا بارزًا ومهمًا في تاريخ لبنان الحديث وفي مسار الصراع اللبناني – الإسرائيلي الذي استحوذ على مساحة واسعة من هذا التاريخ، وهو لا يزال يمثّل العامل الأكثر إثارة في تقلّب الأوضاع اللبنانية وتطورها، وقد جاءت لتوقف الصراع الذي اندلع فور إعلان قيام إسرائيل، ولتتوّج مساعيَ حثيثة بذلتها الأمم المتحدة، سواء في مجلس الأمن أو في الجمعية العامة، أو من خلال جهود ممثليها الذين انتدبتهم إلى فلسطين. فالوضع المتوتر على الساحة الفلسطينية قد شكّل يومها ولا يزال تهديدًا للأمن والسلم الدوليَّين، كما وصفه قرار مجلس الأمن الرقم 54 الصادر في 15 تموز1948. فاستدعى ذلك تدخلًا من المنظمة الدولية، ولا سيما من مجلس الأمن، الذي تُشكّل حماية الأمن والسلم أهم واجباته وأبرز نشاطه، وبخاصةٍ في إجراءات المجلس الزجرية التي نص عليها الفصل السابع من الميثاق في حالات تهديد الأمن والسلم الدوليَّين. وبعد عدة إعلانات لوقف إطلاق النار، وبالاستناد إلى الفصل السابع، أمر المجلس في قرارَيه الرقمَين 61 و62 الصادرَين في 4 و16 تشرين الثاني 1948 أطراف النزاع في فلسطين، مصر، سوريا، الأردن، لبنان وإسرائيل بإعلان هدنة عامة تتضمن إقامة خطوط هدنة دائمة يُمنع تجاوزها، وانسحابًا وتخفيضًا للقوى المسلحة من جانبَي هذه الخطوط ضمانًا لها. فالتزم الأطراف جميعًا تنفيذ هذين القرارَين، ووقعوا أربع اتفاقيات، من بينها اتفاقية الهدنة العامة بين لبنان وإسرائيل في 23 آذار 1949.
من هذا المنطلق، تكتسب اتفاقية الهدنة اللبنانية - الإسرائيلية أهمية في البعدَين الإقليمي والدولي. فهي كانت بالنسبة إلى طرفَيها المباشرَين تشكّل نظريًا إطارًا قانونيًا لضبط النزاع بينهما. وهي في الوقت نفسه، تجاه الأمم المتحدة ومجلس الأمن أداة للحفاظ على الأمن والسلم الدوليَين. إلاّ أن إسرائيل، وبعد حرب الخامس من حزيران 1967، أطاحت بهذه الاتفاقية، مخالفة بذلك مبادئ وقواعد القانون الدولي المتعلقة بالتعامل بين الدول، والالتزامات التي ترتبها الاتفاقيات الدولية. إلاّ أن هذه الاتفاقية بالنسبة إلى الأمم المتحدة ومجلس الأمن لا تزال إطارًا دوليًا قائمًا للحفاظ على الأمن والسلم الإقليمي والدولي.
لكن سياسة العدوان والغطرسة التي تنتهجها إسرائيل في المنطقة عامة وتجاه لبنان خاصة، أظهرت بأنها غير مكترثة للقانون الدولي ولا للشرعية الدولية، وغير معنية بالأمن والسلم في هذه المنطقة من العالم. فالدعم الذي وفّرته عدة قوى عالمية لإسرائيل أدى إلى عجز الأمم المتحدة على إرغامها بالتقيّد بالقرارات والمواثيق والاتفاقات الدولية، ولا سيما تلك التي وقّعت هي عليها ومن ضمنها اتفاقية الهدنة مع لبنان.
لم يقلل ذلك من أهمية الاتفاقية ومن استمرار وجودها سواء في نظر فقه القانون الدولي أو الأمم المتحدة بهيئاتها المختلفة التي أصدرت عددًا كبيرًا من القرارات التي تدعو إلى الحفاظ على الاتفاقية وتفعيل أجهزتها والعمل بمضمونها. وهكذا، فإن الاتفاقية شكّلت ضمانًا قانونيًا وعمليًا للبنان، إذا أُحسن تطبيقها؛ كما شكّلت بالنسبة إلى الأمم المتحدة آلية لضمان الأمن والسلم والاستقرار الدولي.
السؤال الذي يُطرح اليوم: لماذا العودة إلى الحديث عن اتفاقية كهذه مضى عليها أكثر من ستة وسبعين عامًا، وهل لها أهمية بعد هذه المدة لتبقى قائمة ويجب التمسك بها، وهل تشكل فعلًا إطارًا قانونيًا لضبط النزاع بين لبنان وإسرائيل؟
فهل تبقى هذه الأسئلة الجوهرية من دون جواب، أم تكون إطارًا صالحًا لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي في الجنوب؟

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق إختبار شعبي للقياديين السابقين - خليج نيوز
التالى هذا ما تحتاج إليه الحكومة لكسب ثقة الناس - خليج نيوز