منذ انتخاب رئيس الجمهورية جوزاف عون، والذي تبعه بعد أيام قليلة تسمية رئيس الحكومة المكلّف نواف سلام، يبدو واضحًا أنّ "صفحة جديدة" فُتِحت على أكثر من مستوى، سواء على صعيد المعادلات السياسية، التي شهدت تحوّلات نوعيّة عمّا كان سائدًا في السابق، أو حتى على صعيد التطلّعات، التي عبّر عنها خير تعبير خطاب القسم الذي ألقاه عون في مجلس النواب، وتناغم معه سلام في كلمته الأولى من قصر بعبدا.
لكنّ "الصفحة الجديدة" على المستوى الداخلي، جاءت منسجمة أيضًا مع "صفحة جديدة" من نوعٍ آخر، فُتِحت على المستويين الإقليمي والدولي، في التعاطي مع لبنان، سواء قبل انتخاب الرئيس، حين سُجّلت حركة موفدين غير مسبوقة، يقال إنّها أسهمت في إنجاز الاستحقاق، أو بعد ذلك، من خلال اندفاعة غير مسبوقة أيضًا، عبّرت عنها خير تعبير زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الأسبوع الماضي، مع ما انطوت عليه من رسائل.
ولم تكتمل هذه "الاندفاعة" بصورتها الكلية، إلا مع الزيارة الاستثنائية لوزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان إلى بيروت، والتي تُعَدّ الأولى من نوعها لأرفع دبلوماسي سعودي منذ أكثر من 15 عامًا، علمًا أنّها كانت "مجدولة" قبل انتخاب الرئيس لكنّها أرجئت، فكيف تُفهَم هذه الاندفاعة العربية والإقليمية والدولية باتجاه لبنان، وأيّ رسائل تنطوي عليها، وإلى أيّ مدى يمكن البناء عليها من أجل تكريس ما توصف بـ"الصفحة الجديدة"؟!
رسالة أمل.. وتفاؤل
ليس خافيًا على أحد أنّ ثمّة اندفاعة فعلية إزاء لبنان، بدأت مع زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وهي الزيارة المؤجَّلة منذ زيارته الأخيرة بعيد انفجار مرفأ بيروت، وقد تزامنت للمفارقة مع زيارة مهمّة أيضًا للأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، ولم تنتهِ مع زيارة وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، على أهميتها الاستثنائية، التي تتقاطع هي الأخرى مع زيارة لوزير الخارجية الكويتي عبد الله اليحيا.
ولعلّ أهمية زيارة وزير الخارجية السعودي، وكذلك زيارة وزير الخارجية الكويتي، تفوق نظيراتها من الزيارات في هذه المرحلة، لكونها تحمل رسالة إيجابية، لناحية "كسر القطيعة"، إن صحّ التعبير، في إشارة إلى الموقف الذي كانت العديد من الدول الخليجية اتخذته قبل سنوات، في سياق "الكباش" الذي كان قائمًا بشكل خاص مع "حزب الله"، والذي بلغ أوجه خصوصًا في ذروة الصراع الخليجي-الإيراني، في فترة من الفترات.
من هنا، فإنّ هذه الزيارات تحمل بين طيّاتها رسالة "أمل وتفاؤل"، إن جاز التعبير، علمًا أنّ هاتين العبارتين بالتحديد تكرّرت على ألسنة الضيوف، في الأيام القليلة الماضية، في ضوء "التقاطع" بينهم على انّ لبنان دخل "مرحلة جديدة"، بعد المتغيّرات التي وقعت في الأشهر الأخيرة، وأنّ "العهد الجديد" لا بدّ أن ينطلق بكلّ زخم، ليشرع في ورشة الإصلاحات التي ينتظرها اللبنانيون، ومعهم أصدقاؤهم في العالم، منذ سنوات تبدو طويلة.
الكرة تبقى في ملعب اللبنانيين
لا شكّ انّ هذه الرسائل مهمّة جدًا، بقدر ما أنّ الاندفاعة الإقليمية والدولية مهمّة، علمًا أنّها لعبت دورًا أساسيًا برأي كثيرين في إنجاز الاستحقاقات الأخيرة، بما في ذلك انتخابات الرئيس التي بقيت "مجمّدة" لأكثر من سنتين، على الرغم من الجهود التي لعبتها اللجنة الخماسية المعنيّة بالشأن اللبناني لتقريب وجهات النظر، ليتصاعد الدخان الأبيض أخيرًا، على وقع التحديات التي فرضتها الحرب الإسرائيلية على لبنان، وما ترتّب عليها على أكثر من مستوى.
إلا أنّ العارفين يشدّدون على أن هذه الاندفاعة وحدها لا يمكن أن تكون كافية، تمامًا كما أنّ جهود "الخماسية" وحدها في السابق لم تكن كافية من أجل انتخاب الرئيس، ما تطلّب انتظار تفاهم داخلي لبناني، وبالتالي فإنّ الكرة كانت ولا تزال في ملعب اللبنانيين، الذين عليهم أن يساعدوا "أصدقاء لبنان" من أجل أن يتمكّنوا من مساعدته، وقوام ذلك بادئ ذي بدء تشكيل حكومة متجانسة ومتناغمة، وقبل كلّ شيء "إصلاحية بامتياز".
بهذا المعنى، يقول العارفون إنّ المطلوب أن تقترن هذه الاندفاعة العربية والإقليمية والدولية بإرادة داخلية لبنانية، تشرّع الباب أمام الإصلاحات، وبالتالي أمام المساعدات، علمًا أنّ ما يسرَّب عن خلافات وعقد تحول دون تأليف الحكومة، لا يخدم هذا المسار فعليًا، وبالمعنى الكامل، بل يترك انطباعًا بأنّ القوى السياسية لا تزال عالقة في دوامة "المحاصصة"، بل "تناتش الحصص"، كأنّ شيئًا لم يكُن على امتداد الفترة الماضية.
في النتيجة، من الواضح أنّ الاندفاعة التي يشهدها لبنان اليوم استثنائية ومهمّة جدًا، وهي تفصل فعلاً بين مرحلتين، وتفتح صفحة جديدة في علاقات لبنان الخارجية، وتحديدًا علاقات الدول العربية، ولا سيما الخليجية معه. ولعلّ هذا الأمر يشكّل "فرصة" لا بدّ من اقتناصها من قبل الأطراف السياسية، حتى تستفيد منها في المرحلة المقبلة، وعماد ذلك تشكيل الحكومة اليوم قبل الغد، وفق مبادئ ومعايير إصلاحية جديدة، تختلف عن كلّ ما سبق!
Advertisement
لكنّ "الصفحة الجديدة" على المستوى الداخلي، جاءت منسجمة أيضًا مع "صفحة جديدة" من نوعٍ آخر، فُتِحت على المستويين الإقليمي والدولي، في التعاطي مع لبنان، سواء قبل انتخاب الرئيس، حين سُجّلت حركة موفدين غير مسبوقة، يقال إنّها أسهمت في إنجاز الاستحقاق، أو بعد ذلك، من خلال اندفاعة غير مسبوقة أيضًا، عبّرت عنها خير تعبير زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الأسبوع الماضي، مع ما انطوت عليه من رسائل.
ولم تكتمل هذه "الاندفاعة" بصورتها الكلية، إلا مع الزيارة الاستثنائية لوزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان إلى بيروت، والتي تُعَدّ الأولى من نوعها لأرفع دبلوماسي سعودي منذ أكثر من 15 عامًا، علمًا أنّها كانت "مجدولة" قبل انتخاب الرئيس لكنّها أرجئت، فكيف تُفهَم هذه الاندفاعة العربية والإقليمية والدولية باتجاه لبنان، وأيّ رسائل تنطوي عليها، وإلى أيّ مدى يمكن البناء عليها من أجل تكريس ما توصف بـ"الصفحة الجديدة"؟!
رسالة أمل.. وتفاؤل
ليس خافيًا على أحد أنّ ثمّة اندفاعة فعلية إزاء لبنان، بدأت مع زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وهي الزيارة المؤجَّلة منذ زيارته الأخيرة بعيد انفجار مرفأ بيروت، وقد تزامنت للمفارقة مع زيارة مهمّة أيضًا للأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، ولم تنتهِ مع زيارة وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، على أهميتها الاستثنائية، التي تتقاطع هي الأخرى مع زيارة لوزير الخارجية الكويتي عبد الله اليحيا.
ولعلّ أهمية زيارة وزير الخارجية السعودي، وكذلك زيارة وزير الخارجية الكويتي، تفوق نظيراتها من الزيارات في هذه المرحلة، لكونها تحمل رسالة إيجابية، لناحية "كسر القطيعة"، إن صحّ التعبير، في إشارة إلى الموقف الذي كانت العديد من الدول الخليجية اتخذته قبل سنوات، في سياق "الكباش" الذي كان قائمًا بشكل خاص مع "حزب الله"، والذي بلغ أوجه خصوصًا في ذروة الصراع الخليجي-الإيراني، في فترة من الفترات.
من هنا، فإنّ هذه الزيارات تحمل بين طيّاتها رسالة "أمل وتفاؤل"، إن جاز التعبير، علمًا أنّ هاتين العبارتين بالتحديد تكرّرت على ألسنة الضيوف، في الأيام القليلة الماضية، في ضوء "التقاطع" بينهم على انّ لبنان دخل "مرحلة جديدة"، بعد المتغيّرات التي وقعت في الأشهر الأخيرة، وأنّ "العهد الجديد" لا بدّ أن ينطلق بكلّ زخم، ليشرع في ورشة الإصلاحات التي ينتظرها اللبنانيون، ومعهم أصدقاؤهم في العالم، منذ سنوات تبدو طويلة.
الكرة تبقى في ملعب اللبنانيين
لا شكّ انّ هذه الرسائل مهمّة جدًا، بقدر ما أنّ الاندفاعة الإقليمية والدولية مهمّة، علمًا أنّها لعبت دورًا أساسيًا برأي كثيرين في إنجاز الاستحقاقات الأخيرة، بما في ذلك انتخابات الرئيس التي بقيت "مجمّدة" لأكثر من سنتين، على الرغم من الجهود التي لعبتها اللجنة الخماسية المعنيّة بالشأن اللبناني لتقريب وجهات النظر، ليتصاعد الدخان الأبيض أخيرًا، على وقع التحديات التي فرضتها الحرب الإسرائيلية على لبنان، وما ترتّب عليها على أكثر من مستوى.
إلا أنّ العارفين يشدّدون على أن هذه الاندفاعة وحدها لا يمكن أن تكون كافية، تمامًا كما أنّ جهود "الخماسية" وحدها في السابق لم تكن كافية من أجل انتخاب الرئيس، ما تطلّب انتظار تفاهم داخلي لبناني، وبالتالي فإنّ الكرة كانت ولا تزال في ملعب اللبنانيين، الذين عليهم أن يساعدوا "أصدقاء لبنان" من أجل أن يتمكّنوا من مساعدته، وقوام ذلك بادئ ذي بدء تشكيل حكومة متجانسة ومتناغمة، وقبل كلّ شيء "إصلاحية بامتياز".
بهذا المعنى، يقول العارفون إنّ المطلوب أن تقترن هذه الاندفاعة العربية والإقليمية والدولية بإرادة داخلية لبنانية، تشرّع الباب أمام الإصلاحات، وبالتالي أمام المساعدات، علمًا أنّ ما يسرَّب عن خلافات وعقد تحول دون تأليف الحكومة، لا يخدم هذا المسار فعليًا، وبالمعنى الكامل، بل يترك انطباعًا بأنّ القوى السياسية لا تزال عالقة في دوامة "المحاصصة"، بل "تناتش الحصص"، كأنّ شيئًا لم يكُن على امتداد الفترة الماضية.
في النتيجة، من الواضح أنّ الاندفاعة التي يشهدها لبنان اليوم استثنائية ومهمّة جدًا، وهي تفصل فعلاً بين مرحلتين، وتفتح صفحة جديدة في علاقات لبنان الخارجية، وتحديدًا علاقات الدول العربية، ولا سيما الخليجية معه. ولعلّ هذا الأمر يشكّل "فرصة" لا بدّ من اقتناصها من قبل الأطراف السياسية، حتى تستفيد منها في المرحلة المقبلة، وعماد ذلك تشكيل الحكومة اليوم قبل الغد، وفق مبادئ ومعايير إصلاحية جديدة، تختلف عن كلّ ما سبق!
0 تعليق