حروب ترامب التجاريّة... وسياسة تفريغ الجيبة - خليج نيوز

لبنان 24 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

يتّسم الاقتصاد العالميّ بفترات من التنافس الاقتصاديّ الشديد، وتعتبر الحروب التجاريّة التي تعطّل الأسواق أقواها تأثيرًا، فتوتّر العلاقات الدوليّة، وتفرض تكاليف باهظة على الشركات والمستهلكين على حدّ سواء.

Advertisement

ويثير التصعيد الأخير للتوتّرات التجاريّة في ظلّ إدارة ترامب، ولاسيّما مع كندا والمكسيك والصين، تساؤلات حول فعالية التعرفة الجمركيّة كأداة للسياسات الاقتصاديّة، وما إذا كانت الآليات البديلة مثل تعديلات العملة يمكن أن تكون بمثابة حلّ قابل بغية التخفيف من الآثار السلبيّة للحروب التجاريّة.

اتّسمت سياسة دونالد ترامب التجاريّة بنهج عدواني وغير منتظم في كثير من الأحيان، مستفيدًا من التعريفات الجمركيّة كأداة للتفاوض. وكان فرض تعريفة مقترحة بنسبة ٢٥٪ على الواردات الكنديّة والمكسيكيّة مثالاً بارزًا على هذه الاستراتيجيّة. وفي حين تمّ تعليق هذه التعريفات مؤقّتًا بعد اتّفاقات اللحظة الأخيرة، إلّا أنّ حالة عدم اليقين التي أحاطت بتطبيقها المحتمل خلقت تقلّبات اقتصاديّة.

وقد سعى ترامب إلى استخدام التعريفات الجمركيّة كوسيلة ضغط لانتزاع تنازلات من الشركاء التجاريّين،وربط السياسة الاقتصاديّة بتدابير مراقبة الهجرة، ولا سيّما في المفاوضات مع المكسيك. إذ كان نهجه يعتمد على الصفقات إلى حدٍّ كبير، وغالبًا ما ركّز على المكاسب السياسيّة قصيرة الأجل بدلًا من الاستقرار الاقتصاديّ الطويل الأمد. وعلى الرغم من ادّعائه تحقيق انتصارات، غالبًا ما أدّت أفعاله إلى ضائقة اقتصاديّة ذاتيّة، مع عدم استقرار السوق، وارتفاع التكاليف على المستهلكين الاميركيين، وانخفاض الثقة بين الشركاء.

تؤدّي الحروب التجاريّة تاريخيًّا إلى عواقب اقتصاديّة غير مقصودة. فغالبًا ما يؤدّي فرض التعريفات الجمركيّة إلى اتّخاذ تدابير انتقاميّة، كما نشاهد في ردّ الصين على سياسات ترامب التجاريّة. إذ تنشأ الزيادة في الأسعار الاستهلاكية عندما ترتفع التكاليف على الشركات بسبب ارتفاع كلفة الواردات، التي يتمّ تمريرها بعد ذلك إلى المستهلكين لأنّهم سيدفعون الثمن في نهاية المطاف، وتُفرغ جيوبهم!

يتّبع ذلك عدم استقرار السوق حيث تساهم التحوّلات المفاجئة في السياسات في حالة عدم اليقين، ممّا يؤثّر في الاستثمار والأسواق الماليّة. ويصبح تدهور العلاقات التجاريّة واضحًا مع تقويض التحالفات والاتفاقياّت التجاريّة طويلة الأمد، ممّا قد يضرّ التعاون الاقتصاديّ العالميّ.
 
تتمثّل إحدى البدائل لحلّ الاختلالات التجاريّة من دون اللجوء إلى التعريفات الجمركيّة في تخفيض قيمة العملة أو التعديلات الاستراتيجيّة لها. فإذا انخفضت قيمة عملة بلد ما بالنسبة لشركائها التجاريّين، تصبح صادراته أكثر تنافسيّة بينما تصبح الواردات أكثر تكلفة، ممّا يؤدي بطبيعة الحال إلى تصحيح الاختلالات التجاريّة.

ويمكن أن يكون السماح بتعديل قيم العملات استنادًا إلى قوى السوق بمثابة آليّة لتحقيق الاستقرار من دون اللجوء الى زيادات في التعريفات الجمركيّة. كما يمكن البنوك المركزيّة التأثير على قوّة العملة من خلال سياسات أسعار الفائدة، ممّا يؤثّر بشكل غير مباشر في القدرة التنافسيّة التجاريّة. وبدلًا من الحروب التجاريّة، يمكن للدول أن تنخرط في سياسات نقديّة تعاونيّة لمنع المزايا التنافسيّة غير العادلة بسبب التلاعب بالعملة.

لذلك، بدلًا من الانخراط في حرب تجاريّة، يمكن الولايات المتحدة الأميركيّة وكندا والمكسيك اتّباع سياسات اقتصاديّة تعاونيّة تعزّز الاستقرار والنموّ. إن تعزيز الاتفاقيّات التجاريّة الإقليميّة وضمان بقائها عادلة ومفيدة للطرفين يمكن أن يقلّل من الحاجة إلى اتّخاذ تدابير احترازيّة عدوانيّة.

كما تستطيع الحكومات أيضًا تحفيز الصناعات المحليّة بواسطة الاستثمارات المستهدفة في الابتكار والبنية التحتيّة بدلاً من فرض تعريفات جمركيّة كنوع من العقوبات.
كما يمكن أن يؤدّي تشجيع الاستثمار الأجنبيّ المباشر إلى نموّ اقتصاديّ مستدام وخلق فرص عمل من دون اللجوء إلى القيود التجاريّة. وينبغي أن تؤدّي المشاركة الدبلوماسيّة دورًا حاسمًا في حلّ النزاعات التجاريّة،حيث إنّ المفاوضات البنّاءة يمكن أن تؤدّي إلى نتائج أفضل على المدى الطويل من المواجهة الاقتصاديّة. كذلك، قد تؤدّي معالجة الاختلالات الاقتصاديّة الهيكليّة إلى خلق ميزة تنافسيّة بواسطة إجراء تعديلات في السياسات، وتنمية القوى العاملة، والاستراتيجيّة الصناعّية، من دون الحاجة إلى فرض رسوم جمركيّة أو التلاعب بالعملة.

ختامًا، في حين أنّ تعديلات العملة تمثل حلًّا محتملًا، إلّا أنّه يجب تنفيذها بعناية لتجنّب الآثار التضخميّة والتوتّرات الجيوسياسيّة. كما يمكن أن يوفّر النهج المتوازن الذي يركّز على الاتّفاقات التجاريّة العادلة والتعاون الإقليميّ، والسياسات الاقتصاديّة المستهدفة حلًّا أوسع استدامة للنزاعات التجاريّة العالميّة.
وفي نهاية المطاف، يتطلّب حلّ النزاعات التجاريّة الدبلوماسيّة، والحنكة الاقتصاديّة، والالتزام بالاستقرار الدوليّ بدلًا من تحقيق انتصارات سياسيّة قصيرة الأجل.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق